مثل كل ترند هذه الايام، فجئة تجد الجميع يتحدث في موضوع ما لا تعلم من اين ظهر ومن بدأ شرارة هذه الضجة. تجد كل من هب ودب يتحدث ويعلق على نفس الموضوع، والجميع يصبح علماء ودكاترة ومهندسين وادباء وناقدين حسب نوع الموضوع المثار. ولا مفر من هذا الوباء فهو منتشر في جميع المنصات الاجتماعية، وكل الشعوب العربية تمارس هذه العادة.
الضجة حول فيلم «اصحاب ولا اعز»
في اخر عشر ايام لاحظت الجميع يتحدث عن فيلم جديد يسمى «اصحاب ولا اعز» وكيف ان هذا الفيلم يخالف كل عادات واخلاق المجتمع العربي المحافظ والملتزم. وان هذا النوع من الافلام يحرض الاجيال الجديدة على الاستخفاف بعاداتنا وتطبيع الافعال الدنيئة لاجل نشرها في المجتمع.
مؤامرة المنظمات الخفية
البعض منهم ايضًا تحدث عن هذا الفيلم بانه مؤامرة جديدة من الغرب ضد العرب والامة الاسلامية، وان هذه ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة لمحاولات تفكيك وتفتيت الشعوب العربية .. كثير منهم رجح ان المنظمة «الماسونية» السرية هي المخطط الخفي لهذه المؤامرة والمسؤول عن فكرة انتاج الفيلم.
ثم دفعني الفضول لمشاهدة الفيلم
بعد كل هذه الضجة الواسعة لايام متواصلة ولم يبقى تقريبًا اي شخص اعرفه لم يتحدث عن هذا الفيلم. هنا تحرك فضولي وقررت مشاهدة الفيلم.
يبدو ان اسلوب نتفليكس في التسويق عبر اثارة البلبلة ناجح جدًا.
يتحدث الفيلم عن مجموعة من الاصدقاء واغلبهم متزوجين ولكل منهم حياته ومشاكله وطباعه، وبالتاكيد لكل انسان محاسن يتفاخر بها ومساوء يخفيها، يحاول بكل الطرق اخفاءها عن الجميع.
يلتقون الاصدقاء في منزل احدهم على العشاء وهنا تبدأ تحصل الحوارات في ما بينهم وتنكشف بعض الاخبار الجيدة والسيئة. ثم يلعبون لعبة وتكون سبب في كشف بعض الخيانات القديمة وماكان مستور امام الجميع وهنا تحدث حالة صدمة، منها ان تكتشف منى زكي من ان زوجها شاذ جنسيًا، وان ابنة احد المجموعة المشاركة لديها صديق (او حبيب) وتنام معه في الفراش بدون اي ارتباط رسمي، وقصص اخرى مثل هذه.
رايي حول الفيلم
بغض النظر عن بعض الكلمات القبيحة والسوقية وقصص الخيانات في الفيلم. الفيلم بشكل عام كان ممل جدًا، خالي من كل عوامل التشويق وشد الانتباه .. حتى ان ردود افعالهم عندما اكتشفو خبايا بعض لم تكن بتلك الاثارة.
اما قصة الشاب الذي يكتشفون انه شاذ جنسيًا وعلى علاقة برجل اخر، وقصة الابنة التي على علاقة بشاب وتنام معه بدون زواج وارتباط، وقصة ان احد الازواج يخون زوجته وعلى علاقة باكثر من امراءة اخرى .. وغيرها من القصص المشابهه.
فيلم «عمارة يعقوبيان» قدم فكرة الشذوذ الجنسي بالمشاهد والايحاءات .. لم يثير غضب الناس وقتها! ولم يظهر نائب في مجلس النواب المصري يطالب بشطب عادل امام من نقابة الممثلين.
فالفيلم هنا لم يأتي بشيء جديد، وليس الاول اصلًا في تقديم مثل هذه المواضيع في الافلام والمسلسلات العربية. مثلًا، فيلم «عمارة يعقوبيان» سبق وقدم فكرة الشذوذ الجنسي بالمشاهد والايحاءات .. لم يثير غضب الناس وقتها، ولم تحصل ضجة كهذه الحاصلة في وقتنا الحالي، بالرغم من ان وقتها كان للتيار الاسلامي المتشدد صوت وتاثير قوي على المجتمع بشكل عام مقارنة بالان.
هل هي عادة نتفليكس في التسويق؟
دائمًا ما تحدث افلام شركة نتفليكس ضجة على السوشيل ميديا، بافلامهم الانجليزية والعربية واللاتينية وغيرها من اللغات. وكما يبدولي ان هذا اسلوب تتبعه الشركة تثير البلبلة في المجتمع الموجه له الفيلم من خلال السوشيل ميديا، ثم يتلقف هذه الشرارة «غوغاء» السوشيل ميديا ويصنعون من المادة حالة «ترند» بسبب تكاثر عدد من يتكلم حول نفس النقطة في نفس الوقت.
هذه طريقة فعالة جدًا اليوم للتسويق لاي شيء، التسويق عبر «الترند» اقوى من اي وسيلة اخرى في وقتنا الحالي، حتى لو كان هذا الترند سلبي وخبر سيء .. بالنهاية يعتمد على ذكاء ادارة الشركة المعنية بالترند كيف ممكن تستغل وتوظف هذا الترند لصالحها وتحوله الى مكسب.
وبالنسبة للعرب فمن السهل جدًا استغلالهم وتحريكهم في اتجاه ما. العرب شعب عاطفي وهذه من عيوب الشخصية العاطفية في انها سريعة الاشتعال وتقيم الامور عاطفيًا لا عقلانيًا.
نحن لسنا مجتمع ملائكي
الشعب العربي (وهنا اقصد كافة الدول العربية) ليس مجتمع ملائكي ولا هو مجتمع ملتزم دينيًا بالدرجة التي يحاول يصورها البعض. الوطن العربي بالوقت الحالي مليان ملاهي ليلة ومحلات تبيع خمور، تعاطي المخدرات مرتفع حالة حال دول الغرب.
والعلاقات الغير شرعية منتشرة .. الاجيال الشابة وخصوصاً من هم تحت سن ٢٥ سنة بالوقت الحالي، هذه اجيال تربت على الانترنت واجيال الانترنت هذه اجيال «عالمية» وليست اجيال منغلقة على نطاق المدينة الي عاشو ونشأوا فيها كما حصل مع الاجيال السابقة. الاجيال الجديدة شافت الناس في البلدان الاخرى الاكثر تطورًا وتحررًا كيف يعيش الشباب فيها، وبالتالي تمردو على كل العادات والتقاليد العربية البالية التي لم تستطع ان تكيف نفسها بشكل مناسب لمواجهة هذه الافكار الجديدة، والمشكلة في الاجيال السابقة (اولياء الامور) في طريقة تربيتهم.
ولي الامر العربي غالبًا ليس من النوع الذي يتحاور ويتقبل افكار الابن او البنت مهمى كانت مختلفة او ممكن خاطئة، فمجرد ما يلاحظ شيء غريب فورًا يبدأ بالهجوم على الابن واسكاته. بالتالي من الطبيعي لما الابن يشوف حياة الغرب والحرية والتطور راح يتمرد على هذه الحياة المنغلقة. وطالما انك لا تحاور وتناقش ابنك او بنتك وخصوصًا في مرحلة الطفولة والمراهقة فلا تستغرب اذا وجدتهم يتبنون افكارًا تخالفك او افكار شاذة عن المجتمع، لانك مازرعت بالشكل المناسب حتى تحصد اجود الانواع على اي حال.
مشكلة العرب ليست في الدين بشكل خاص، ولكن اكثر في «ما سيقول الناس عنى» وهذا الامر خلانا كمجتمعات عربية طول عمرنا «نطمطم» على الغلط حتى «لا ننفضح».
ولهذا المجتمع العربي يحارب من يتكلم عن اي شيء حساس في المجتمع.
الشذوذ الجنسي في الدول العربية
الشذوذ الجنسي ليس شيء استورده العرب من دول اخرى. الشذوذ الجنسي موجود في المجتمعات العربية من زمان جدًا، ولم يعالجو الخلل ابدًا طالما ان الامر «سكيتي ومن تحت لتحت» فالموضوع لديهم في الاساس هو صورة المجتمع وليست جودة المجتمع الحقيقية. التراجع الذي نحن فيه وفي كل جوانب الحياة ليس من فراغ، اليس كذلك؟
صعب تحصل على مجتمع متقدم، واعي، مثقف وذو اخلاق عالية وهو يتبع سياسة معالجة الخطأ بالخطأ.
في النهاية
انا هنا لا احاول القول ان الفيلم مسيء للاخلاق ويساعد ويدعو الناس لارتكاب الفاحشة ،، في نفس الوقت لست مع فكرة ان الفيلم طبيعي جدًا وان الفن ليس فيه اي حدود من الناحية الاخلاقية والكلام الفاضي هذا.
ولكن هذا الفيلم بالذات لم يكن الاكثر جرأة في تاريخ الافلام العربية، ولا يستحق ابدًا هذه الضجة التي حصلت حوله. كما ان هذا الضجة من الواضح ان بدايتها كانت مفتعلة من باب التسويق للفيلم ليس اكثر.
والاهم اننا جميعًا سننسى الامر تمامًا بعد يومين (سجلها في التقويم لتتذكر كلامي) بمجرد ان يظهر اول امر جديد يشغل تفكيرنا وسننسى الاخلاق على العادات والتقاليد والمجتمع كله هههههه
📮 المتابعة عبر البريد الالكتروني
عند الاشتراك سيصلك جديد منشوراتي ومقالاتي على ايميلك. لا يتم نشر اي اعلانات ابدًا، فقط المقالات التي انشرها هنا في مدونتي هذه.
التعليقات: 2 On اصحاب ولا اعز؛ ضجة مفتعلة على الفاضي
احسنت في طرحك الموضوع وانجزت فعلاً كلامك كله صح اتفق معك..
اهلا اخي ابو براء، اشكرك على كلامك.