يوم الخميس الماضي الموافق ٥ مايو ٢٠٢٢ وقت الغروب ذهبت انا وامي للتصويت والمشاركة في الانتخابات المحلية البريطانية لسنة ٢٠٢٢، ومثل معظم البلدان تم تحويل بعض المدارس في مختلف المناطق الى مراكز انتخابية.
بالعادة لا نهتم بالانتخابات المحلية، حيث تركز على التصويت للمقاعد في البلديات “Councils” المحلية، ولكن هذه المرة كان لها تأثير مختلف وترقب واهتمام من قبل الشارع والصحافة.
بعد مجموعة المشاكل والازمات التي اخفق المحافظون بالتعامل معها بشكل صحيح، والي اغلبها ظهر بشكل متسلسل خلال وقت قصير جدًا، هذا خلى الناس ترى المحافظون الحاليين على انهم غير جديرين بالبقاء في السلطة، وكمحاولة لمعاقبتهم «قبل موعد الانتخابات البريطانية العامة المقررة في ٢٠٢٤» استغلت الناس الانتخابات المحلية لتوجيه رسالة تهديد واضحة للحكومة الحالية.
نتائج الانتخابات
وبالفعل اتت النتائج كما توقعها الكثيرين خاصة ممن لا يساندون او يتبعون لحزب المحافظين. خسر المحافظين حوالي ٤٠٠ مقعد وكذلك خسر المستقلون حوالي ٢٠٠ مقعد، توزعت اغلب هذه المقاعد على حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي.
كما ان هذه الانتخابات تسببت في خسارة حزب المحافظين لعدد من البلديات لصالح حزب العمال، والتي كان من سابع المستحيلات اي يسيطر عليها بالغالبية من حزب اخر غيرهم، ابرزها بلدية Westminster و Wandsworth والاثنين في العاصمة لندن.
بعض من اهم اسباب الخسارة الثقيلة هذه
- لعل من اهم الاسباب التي تسببت بغضب في اوساط الشباب هو فضيحة مايعرف بالـ “Partygate” حيث احتفل رئيس الوزراء مع مجموعة من الوزراء واعضاء حزبه في تجمع خالي من اي مظاهر للتباعد الاجتماعي في فترة كان يطبق فيها حظر التجوال على العامة بسبب جائحة كورونا ويمنع عليهم التجمع لاكثر من ثلاثة اشخاص. كما ان نكران رئيس الوزراء في بداية الامر والتهرب من الاعتراف بخطئة تسبب بتفاقم الازمة بدل من اخمادها. وهو امر جعل الشباب يرون بوريس جونسون ليس فقط منافق بل كاذب ومخادع ايضًا.
- حادثة من نفس النوع قبلها بشهور صدرت من وزير الصحة الذي رصدته الكامرات وهو “يقبل” صديقته بالرغم من انهم لا يسكنان في نفس المنزل ولا يعتبران مرتبطان. وهو ايضًا ما اعتبر كسر لقواعد التباعد الاجتماعي من شخصية بمنصب وزير الصحة البريطاني!
- بالرغم من ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم المستمر في الارتفاع عالميًا الا ان الحكومة و وزير خزانتها قرر انه لا بأس بالاستمرار في تطبيق قرار رفع الضرائب، بالرغم من معظم البلدان الاخرى ذات نفس المستوى الاقتصادي قررت تجميد اي زيادات على الضرائب.
- مع ارتفاع الاسعار والتضخم وزيادة الضرائب لم يقم وزير الخزانة بتقديم اي حلول لموازنة الوضع بالنسبة للمتقاعدين واصحاب الاحتياجات الخاصة، وتركو لمصيرهم مع ارتفاع الاسعار وتضخم بنسبة ٨٪ هذا غير ارتفاع اسعار الطاقة «الغاز والكهرباء» بشكل كبير بداية من الشهر الرابع من هذا العام.
- في الشهر الرابع ارتفعت اسعار الطاقة، تحديدًا الغاز والكهرباء، بشكل كبير جدًا وصل ٤٠٪ وكذلك هناك زيادة مقررة في شهر اكتوبر القادم. والى الان لم يقدم وزير الخزانة اي حل عملي لمساعدة الناس في تسديد هذه الفواتير، خصوصًا لاصحاب الدخل المحدود والمتقاعدين واصحاب الاحتياجات الخاصة.
- في بداية الحرب الروسية الاوكرانية طالب وزير الخزانة «ريشي سوناك» الشعب كآفة الى قطع التعامل مع اي شيء يخص الحكومة الروسية لمنعها من الاستمرار في سياساتها. ليتبين في ما بعد ان زوجته وهو مالكة لمجموعة من الشركات مازالت تسير اعمالها بشكل طبيعي داخل روسيا، وهو امر اعتبره الشعب نوع من النفاق وعدم الصراحة وفرض امور على الناس هم اول من يخالفها.
صعود الحزب الليبرالي الديمقراطي
فعلًا «مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ».
الكثير من الناخبين المحافظين الذين فقدوا الثقة بالمجموعة الحالية التي تقود الحزب لم يستطيعو التصويت للغريم والمنافس التقليدي للمحافظين وهو حزب العمال، بالتالي اعطوا اصواتهم لاحزاب اخرى ابرزها كان الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي كسب الكثير من المقاعد في هذه الانتخابات.
واستطاع كذلك الحصول على الاغلبية في ٥ بلديات ليرتفع عدد البلديات التابعة لادارة هذا الحزب من ١١ إلى ١٦.
الوضع الحالي ليس بالضرورة نجاح للحزب الليبرالي الديمقراطي او حزب العمال، بل هو فشل لحزب المحافظين.
الانتخابات البريطانية العامة ٢٠٢٤
حسب تحليل اجرته قناة Sky News بناء على دراسة نتائج الانتخابات الحالية، تقول فيه انه من المتوقع ان يحدث انقسام كبير في الانتخابات العامة القادمة في سنة ٢٠٢٤ حيث سوف تتوزع الاصوات بين مختلف الاحزاب خصوصًا ممن فقدوا الثقة في حزب المحافظين وهو ما سينتج عنه برلمان بدون اغلبية او مايعرف بــ “Hung Parliament”.
المشكلة لدينا في بريطانيا ان نظام الانتخابات قديم جدًا ولم يعد يناسب التوزيع السكاني الحالي، حيث ان كل منطقة تعتبر مقعد في البرلمان لتشكل اجمالي ٦٥٠ مقعد وللحصول على اغلبية البرلمان وبالتالي حرية تشكيل الحكومة فيجب حصول مجموعة ما على ٣٢٦ مقعد او اكثر.
المشكلة هنا انه خلال اخر ٣٠ سنة حصل تكدس سكاني في المدن الرئيسية مثل لندن، مانشستر، برمنجهام…الخ مع انخفاض مستمر في الكثافة السكانية في الارياف خاصة من فئة الشباب. الا انه بغض النظر عن الكثافة السكانية للمنطقة الفلانية فانها ماتزال تعتبر مقعد كامل في البرلمان.
فمثلًا في الانتخابات العامة لسنة ٢٠١٩ التي فاز بها المحافظون بالاغلبية، بالرغم من ان اختلاف عدد الاصوات بين المحافظين «١٣.٦ مليون» والعمال «١٠.٣ مليون» ليس بالكبير لكن الفرق من حيث المقاعد كان كبير جدًا، ٣٦٥ مقعد للمحافظين و ٢٠٣ للعمال.
قال “بيتر يورك” مؤلف كتاب «الحرب على البي بي سي»
الناس في المدن الكبيرة بالغالب تصوت لليسار الليبرالي في حين من يسكنون في المناطق الصغيرة والارياف فغالبًا مايعطون اصواتهم لليمين المحافظ. وهذا امر ينطبق على عموم امريكا الشمالية والغرب الاوروبي.
الغالبية العظمى من المناطق التي تشكل مقعد برلماني هي مجرد مناطق ريفية لا يسكنها سوى عدد قليل من العوائل وغالبيتهم العظمى من اصحاب الميول اليمينية المحافظة.
برايي اي نظام انتخابي يجب ان يراعي مسألة الاغلبية بناء على عدد الاصوات بشكل رئيسي وليس على عدد المناطق التي تختلف من حيث كثافتها السكانية بشكل ضخم جدًا. خصوصًا وان اغلب الناس الان تعيش في المدن الرئيسية او بالقرب منها.